غزة/ دعاء الحطاب:
يتواصل التصعيد الإسرائيلي بحقّ الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، في سياسة ممنهجة تقوم على القمع والتجويع والعزل والإهمال الطبي، وسط مؤشرات خطيرة على نية الاحتلال تحويل السجون إلى ساحات قتل بطيء ومعلن، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية، تحت ذريعة أن الاسرى ينوون اعلان الحرب على السجان.
لم تنسد شهية قادة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة مصلحة السجون عن استهداف الاسري الفلسطينيين، بمختلف الاساليب والوسائل القمعية، باقتحام غرفهم والتنكيل بهم والعبث بمقتنياتهم والاعتداء عليهم بالضرب، والتلذذ بمعاناتهم وأوجاعهم عبر عزلهم وحرمانهم من الغذاء والدواء لأكثر من عامين، في مُحاولة لتسريع موتهم في ظل رغبة قادة الاحتلال في الشروع بالقتل الجماعي بشكل علني.
وقال مفوض مصلحة سجون الاحتلال، كوبي يعقوبي، خلال اجتماع لجنة الأمن القومي في الكنيست، الثلاثاء الماضي، إن "الواقع في الأقسام الأمنية في السجون، يدل على تغيير بين الواقع الذي كان والواقع اليوم"، وإن الأسرى الفلسطينيين، اليوم، "أثبتوا قدرات عملياتية".
وأضاف أنه "بإمكاني القول بشكل مؤكد إن الأمل بالتحرر الذي كان لديهم تحول الآن إلى يأس، ونحن في بداية حدث في السجون، والحرب عندنا توشك أن تبدأ" في إشارة إلى حالة غليان في صفوف الأسرى الفلسطينيين.
وتابع يعقوبي "نعمل منذ سنتين في تأهيل مصلحة السجون لليوم الذي فيه ستشتعل الأقسام، ونستعد لاحتمال مواجهة واسعة النطاق".
ويُشار إلى أن أقوال مفوض سجون الاحتلال قد تشكل تمهيداً لعمليات قمع واعتداء واسعة بحقّ الأسرى في السجون.
وكانت مؤسسات حقوقية معنية بشؤون الأسرى، قد أكدت أمس أن عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بلغ نحو 9300 أسيرا، معظمهم من الموقوفين والمعتقلين الإداريين حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2025.
واقع كارثي ومميت
أكد وزير شؤون الأسرى سابقا قدورة فارس، إن واقع الأسرى داخل سجون الاحتلال مرير وكارثي، ووصل إلى مستويات مميته من القمع والتنكيل والإجراءات الوحشية.
وقال فارس لـ"الاستقلال": "أن الأسرى يتعرضون لحرب انتقامية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وجراء ذلك لم يعد موت الأسرى موتاً بطيئاً نتيجة للإجراءات الإجرامية التي اتخذتها إدارة مصلحة السجون بحقهم، بل أصبح موتاً سريعاً ومقصوداً في ظل رغبة قادة الاحتلال في الشروع بالقتل الجماعي بشكل علني"، لافتاً إلى أن عدد الأسرى الشهداء يزيد عن 120شهيداً خلال العامين السابقين.
وأضاف:" أن الأسرى يتعرضون لاعتداءات جسدية ونفسية متواصلة، تشمل الضرب، التفتيشات القمعية، العقوبات الجماعية، والعزل، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد داخل الغرف، حيث يُحتجز عدد كبير من الأسرى في مساحات ضيقة تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية".
ويتابع:" أن الأسرى يعانون من البرد الشديد في ظل عدم توفر الملابس والأغطية الشتوية، كذلك ما زالوا يعانون من نقص حاد في الغذاء ضمن سياسة التجويع المتعمد مما أدى إلى انخفاض أوزانهم بشكلٍ كبير واستشهاد بعضهم، بالإضافة إلى الحرمان من زيارة الأقارب والمحامين والصليب الأحمر، والانقطاع عن العالم الخارجي".
وشدد على أن الأسرى يعانون من سياسة الإهمال الطبي المتعمد وغياب المتابعة الصحية، مما يشكل خطراً حقيقياً على حياتهم، خاصة المرضى وكبار السن، وسط تخوّف متزايد من تفاقم الحالات الصحية وتحولها إلى أوضاع حرجة.
وشدد على أن الاحتلال يريد من وراء تلك الإجراءات إلى أن يجعل من استشهاد الأسرى حدثاً طبيعياً عاديا وهو ما يعتبر خطيراً للغاية، لأنه سيؤسس لعمليات اغتيال واسعة.
ونوه إلى أن دولة الاحتلال بأجهزتها كافة تستفرد بالمعتقلين، والواقع الأمني بالسجون لن يمكن الأسرى من القيام بأي خطوة من أجل التصدي لهذا العدوان، لأن التحرك سيجلب لهم المزيد من العقاب، وبالتالي مسؤولية حمايتهم تقع على عاتق المؤسسات الرسمية والحقوقية والنقابية والأهلية وبالإضافة إلى عموم أبناء شعبنا.
وطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بوقف سياسة "الكيل بمكيالين" وإصدار قرارات صارمة بحق الاحتلال ومحاسبته على جرائمه بحق الأسرى وكافة أبناء الشعب الفلسطيني، مستدركاً:" افلات إسرائيل من العقاب عملياً شجع على بروز وإنشاء تيارات اجرامية تسيطر على قرارات الحكومة الإسرائيلية.
تمهد لعملية واسعة
وبدوره، يرى المختص بالشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، أن تصريحات مفوض مصلحة سجون الاحتلال بـ " احتمال تصاعد الأحداث داخل السجون، وأن الحرب على الأبواب"، تمهيد الطريق لعملية قمع واسعة بحق الأسرى.
وأوضح الريماوي لـ "الاستقلال"، أن الأوضاع في السجون الإسرائيلية صعبة ومعقدة جداً، إذ باتت شهية السجان باستهداف الأسرى الفلسطينيين مفتوحة لتحقيق رغبات انتقامية.
وبين أن الاحتلال يُمارس ثلاثة عناوين من الاستهداف داخل السجون، تتمثل بـ" استهداف شخصية الأسير، ومعنويته، والبعد الوطني له"، وهي ما عبر عنها مفوض مصلحة السجون من خلال إعادة تعريف الأسير كـ" خطر استراتيجي"، وهذا الخطر نابع من إمكانية قيام الأسرى بهجمة على السجانين الإسرائيليين.
وأكد أن ما تحدث به مفوض مصلحة السجون ما هو إلا افتراء، من أجل تبرير حالة القمع الكبيرة التي تُمارس بحق الأسرى، متوقعاً أن تشهد السجون الفترة القادمة حالة من الاستهداف المُضاعف والخطير للغاية، والذي سيصل إلى حد ممارسة "الإعدام" سواء كان ميديناً أو بقرار من المحكمة، استناداً لإقرار الكنيست قانون "إعدام الأسري" بالقراءة الأولي والثانية.
ونوه إلى أن الاحتلال يسعى من وراء استهداف الأسرى لإيصال ثلاثة رسائل، تتمثل بـ "أن حالة الأسر لم تعد كما كانت بل أصبحت بيئة غير قابلة للحياة وحالة من العذاب المستمر، وخلق بيئية رادعه للحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال مشاهد التعذيب التي تُبث للأسري، وبث الخوف بقلب كل من يحاول أن يرفض سياسية الاحتلال أو مواجهته".
وشدد على ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي بوجه سياسيات الاحتلال العنجهية والتعسفية بحق الأسرى خاصة والشعب الفلسطيني عامةً، والعمل على فضح جرائم الاحتلال بكافة المحافل الدولية، مؤكداً أن المؤسسات الدولية أثبتت عجزها وعدم توفر إرادة لديها، لتفعيل القانون الدولي في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني والإسرائيلي، كما أن المجتمع الدولي لا يعمل وفقاً لمنظومة القيم والأخلاق والقوانين الدولية، بل تعمل الطبقات المسيطرة وفقاً لخارطة المصالح فقط.


التعليقات : 0